لقد كانت الكثير من الأفكار الخاطئة التي توارثتها الأجيال نقطة بداية للاستخفاف بدماغ الطفل و قدراته، فكثيرا ما ترددت على مسامعي هذه الجملة “الطفل ليست لديه القدرة على الفهم واستيعاب المحيط والبيئة من حوله”، و هنا تبدأ رحلة انعدام الثقة بالنفس لدى الطفل وستحد سقف طموحاته وأحلامه، ليدخل دائرة الشخص التقليدي.
تقول الدراسات أن ثمانون بالمئة من تطور الجهاز العصبي لدى الطفل يحدث في الثلاث سنوات الأولى، حيث أن الدماغ يبدأ بازدياد حجمه و يبدأ بتحديد و تشكيل الروابط بما تسمى المشابك العصبية، تتشكل بمعدلات فائقة السرعة حوالي ٧٠٠ في الثانية في السنوات الثلاث الأولى، في هذه الفترة يحدث التطور الكبير في بنية وهيكلية دماغ طفلك حيث تبدأ عملية النمو من الجزء الداخلي من بنية الدماغ إلى الجزء الخارج منه
تناول "جون مادينا" في كتابه تحت عنوان “ قواعد الدماغ” أهمية التحدث إلى الطفل منذ أيامه الأولى، فعدد الكلمات التي يسمعها طفلك منك تبني في دماغه مخزون كبير لمفردات سرعان ما ستلاحظين نتائج مذهلة في طريقة النطق و اللفظ و ربط المعاني و صياغة جمل منتظمة.
يقول مادينا، أن من اكثر الأشياء صحية للطفل هو الحديث المستمر لما له من تأثير علئ زيادة معدل الذكاء، حيث ذكر دراسة قامت بها مجموعة من الباحثين، شملت الدراسة ٤٠ عائلة ، قام الباحثون بزيارة شهرية لمنزل العائلات ليقوموا بتدوين مستوى التواصل اللغوي بين الوالدين و بين اطفاله.
من الأشياء التي قامو بفحصها كالتالي : قياس حجم المفردات، التنوع ، معدل تطور المفردات، تكرار التفاعل اللغوي و المحتوى العاطفي في المحادثة.
نتائج الدراسة أثبتت ان كثرة الكلمات التي يسمعها الطفل من والديه لها نتائج مذهلة على مهاراته اللفظية و نمو قدرته على التعبير عن حاجاته بشكل صحيح و مفهوم، المقياس الذهبي هو ٢١٠٠ كلمة في الساعة. جنبا إلى جنب مع التركيز على التنوع في الكلمات المسموعة من قبل طفلك من أسماء ، أفعال، و ضمائر .
يحث الكاتب هما أيضا على ضرورة تطوير لغتك انت كشخص بالغ لتستطيع مواكبة طفلك وتزويده دائما بالكلمات التي ستحلق به في سماء التفوق و التميز.
كتجربة شخصية مع إبنتي تالا، رأيت فيها شريكة الأيام، كنت احادثها منذ ايامها الأولى بكل تفاصيل تحركاتي في المنزل، مع الزمن لاحظت انها قادرة على لفظ الاحرف بشكل صحيح، طبعا كطفلة ستواجه صعوبة في لفظ بعض الأحرف، لكنني لم انجرف مع هذه المشكلة بل حاولت ان أصحح لها باستمرار.
التحدث مع طفلك سيشعل هذه المشابك المهمة في أجزاء من المخ لدى الطفل المسؤولة عن اللغة. فالكثير من الكلمات التي يسمعها الطفل ستكون له داعم لتقوية الروابط العقلية و بالتالي ستقوي المهارات اللغوية في المستقبل وقدراته على التعلم بشكل أسرع، و سيكون بعمر السنتين قادر على لفظ الكثير من الكلمات مهما بلغت صعوبتها مقارنة مع اقرانه الذين لم يحصلوا على هذه الفرصة وعدم الاهتمام بقدرات الطفل يعني شعوره بالإهمال وعدم أهميته في تفاصيل حياتك اليومية. الكلمات التي يسمعها طفلك منك هي نقطة بداية إلى وعي مبكر وتفكير سليم!
في المقالات القادمة سأتناول مجموعة من المواضيع المتعلقة بدماغ الطفل لما له من أهمية في بناء مستقبل ناجح ومتميز لأجيال متميزة. ستكون المواضيع عبارة عن مناقشة لكتاب مهم جدا تحت عنوان “قواعد الدماغ ...كيف ترعين طفل ذكي وسعيد” للكاتب “جون مادين” وهو عالم في تطور الأحياء الجزيئية. في هذا الكتاب حاول الكاتب أن يشرح أساليب التعامل الطفل من عمر الأشهر إلى عمر الخمس سنوات، معتمدا على التركيز على الدماغ لانه الجزء الأهم و الأعظم في جسم الإنسان و هو مخزن لكل الاحاسيس و المشاعر و الصور و الذكريات. بقدر ما تغرس ذكريات جميلة بقدر ما حصدنا منه باقات مذهلة من الابداع و النجاحات التي لا تنتهي. .
النقاط التي سأتناولها في المقالة القادمة
١- ما هي العوامل الأربعة التي تسرع من تطور دماغ طفلك اثناء فترة الحمل
٢- ما معنى الذكاء
٣- ما هي البذور التي تزرعينها لتجعلي من طفلك كائنا ذكيا
مع كل المودة.. لمى الغطريف
Comments